الغلو في لغة: الِارْتفَاع فِي الشَّيْء ومجاوزة الحدّ فِيهِ
وَمِنْه قَوْله جلّ وعزّ: "لَا تَغْلُوا فِي دِينكم" (جمهرة اللغة). وفي
الاصطلاح العقدي لا يتعدى اصطلاح الغلو في العقيدة الإسلامية الدلالة اللغوية، قال
الشاطبي في الاعتصام:" الغلو هو المبالغة في الأمر، ومجاوزة الحدّ فيه إلى حَيّز
الإسراف". وقال بعضهم هو: مجاوزة الحدّ المعقول والمفروض في الدين في العقائد
الدينية والواجبات الشرعية[1]
((متى بدأ الغلو في
الدين))
فظهور
الغلو في الدين بصفة عامة بدأ مع قوم نوح الذين عبدوا الصالحين قبلهم و اتخذّوهم
أصناما لحبّهم لهم، وغلوّهم في الدين ، وهذا لم يهمّ عرضنا هذا قدر ما يهمّنا
بداية ظهوره في الأمة الإسلامية المحمدية.
فظهور
الغلو في الدين الإسلامي كان منبثقا إثر وفاة الرسول هذا ما يراه الدكتور صائب عبد
الحميد[2] فإنه ذهب إلى أن أول ظهور
للغلو هو تكذيب النّاس وفاة الرّسول وعدم
قبولهم خبر وفاته ، لكن هذا الواقع –في رأيي المتواضع- لم يصل إلى حدّ
الغلو في مفهومه اللغوي والشرعي، فليس هذا التكذيب إلا نتيجة الحيرة والحزن الشديد
اللذان تجسّدا في الصَّدْمة التي نالت قلوب بعض الصحابة من وفاة الرّسول فجعلتهم
يقولون قولا لا يحاسب بأي حساب، فمثلهم كمثل النائم المتكلم الذي لا يتلاءم كلامه مع
الحقيقة والواقع في شيء.
فحقيقة الغلو بدأت مع الخوارج الذين خرجوا على سيدنا علي ، ففي
هذا الحادث نفسه بدت نواة ما يمكن أن نقول
له إنه أول ظهور الغلو في الدين، حيث نشأت عقائد جديدة خالفت محجة الإسلام
و تعاليمه، فزالت أقدام النّاس-الخوارج-عن حدّ الشرع و عن العقيدة الصحيحة.
فالخوارج بعد تكفيرهم عليّا وخروجهم عليه قعّدوا أمورا حرّفتهم عن دائرة الإسلام
وصنّفتهم بصفة لم تنطبق على العقيدة الإسلامية إطلاقا، منها قولهم بكفر علي، وكفر
من ارتكب كبيرة، وخلق القرآن، وغير ذلك[3] من
عقائدهم التي ترجع أسبابها إلى ثمرة غلوهم وطغيانهم، وبالإضافة إلى ذلك ظهر إلى
جانب الخوارج ما يعرف بالتشيع في نفس الوقت الذي انسحبت الخوارج من جنود عليّ،
فكان-التشيّع- أشدّ منه وأضلّ وأعدل إلى دائرة الكفر منه إلى دائرة الإسلام. وهم
يخالفون الخوارج في أمر خلافة عليّ حيث إنهم يزعمون أن الخلافة بعد النّبي لعليّ،
وأنّ النبي نصّ على ذلك غير أن الصحابة خبّئوا النّصّ وجعلوا أبا بكر خليفة،
فكفّروهم بذلك غلوا وفرطا في حبّ عليّ، ومن اعتقاداتهم ألوهية عليّ وعصمته وعصمة اثني
عشر إماما.
وهذا حال كثير من الفرق المتقدّمة ما عدا فرقة أهل السّنّة
والجماعة – في الغالب والكمال لله- غلا غلوا كبيرا، حفظ لنا التاريخ أشياء كثيرة
من غلوهم وانحرافهم عن الدّين والصّراط المستقيم.
وجدير بالذكر أن الغلو كاد تضطرم ناره عصر النبي صلّى الله عليه
وسلّم لكن شرارتها لم تنطلق أو تكبو أمام
رشاشات التوجيهات النبوية.
((مظاهر الغلو في العصر الحالي))
1-
ومن
مظاهر الغلو في العصر الراهن الخروج على
ولي أمر المسلمين، فهذا رأس الغلو الذي يساير واقعنا الجاري فقد أدّى هذا المظهر
إلى إسالة الدماء سيلان الماء وقت هطول المطر.
2-
حثّ
بعض العلماء الشباب المسلم إلى الجهاد –حقيقة ليس هناك جهاد بل إراقة الدماء بغير
مغزى- فحثّهم هذا لم يكن سوى دعوة إلى الانتحار وإباحة سفوح الدماء.
3-
ومنها: التمذهب سواء كان التمذهبَ الحزبي ككثير
من الأحزاب الإسلامية اليوم أو التمذهب الفكري كمالمتغرّبين -أي تقليد الغرب- المفرنسيين
والمتمركيين على الأخص- فالمسلمون اليوم يتبادلون السبّ بينهم ويدّعي بعض عن بعض
الإصابة، فتعالت في أوساطهم العنصرية أو المذهبية التي أدّتهم إلى التكفير
والتضليل والغرور.
4-
عدم وجود الالتئام بين المسلمين و دولهم، هو مظهر
من مظاهر الغلو اليوم، فإن الإسلام دين الوحدة والالتئام، فظاهرة العداوة الواقعة بين
العالم الإسلامي اليوم غلو في الدين وانحراف عن الحقّ، فالمسلمون روح وجسم واحد
فإذا علّت عضو منه تداعت له الأعضاء بالحمّى والسهر فإذا كان هذا هو تصوير صلّى
الله عليه وسلّم لحقيقة المسلم في منظور الإسلام فالتفرّق أو التشتّت الذي بين
المسلمين تجاوز على حدّ التضافر و التجمّع الذي يدعو الإسلام إليه.
5-
السقوط
في هاوية التكفير، منذ قرنين أو أكثر-فيما أظنّ- ظهر بين العالم العربي والإسلامي
الخوض في لجّة التكفير واتهام الناس بالخروج عن الإسلام، تسامت في هذا الظاهر
تسميات عدّة انتشرت بين ظهران المسلمين في الإطلاق و التمييز بها بفرقة عن أخرى
وقد لوحظ أن من لم يكن في إحدى جماعات هؤلاء المتهمين فهو خارج عن الاسلام على حدّ
منظورهم. الأمر الذي جعل بعض الفرق الإسلامية أن ترى نفسها فرقة ناجحة وما دونها
ضالة، وإن كان الاختلاف بينهم يسيرا.
هناك مظاهر عديدة لا يسعني الحال ذكرها لكن المذكور قد يسدّ
مسدّ المسكوت عنه.
أختم بحديث رواه
الدارمي في سننه وغيره قال: أخبرنا عفّان، حدّثنا حمّاد بن زيد حدّثنا عاصم بن
بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: خطّ لنا رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم يوما خطّا ثمّ قال: {هذا سبيل الله} ثمّ خطّ خطوطا عن يمينه وعن يساره ثمّ
قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها ثمّ تلا"وأنّ هذا صراطي
مستقيما فاتّبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله".
[2] صائب عبد الحميد ولد عام 1956م بمدينة عانة بالعراق
ترعرع
في أجواء فرضت عليه العقيدة الإسلامية وفق مذهب أهل السنة والجماعة، أشتهر بتحوله من الإسلام
السني إلى الشيعي، في كتابه المذاهب والفرق في الإسلام.
No comments:
Post a Comment
لا تنس أيها القارئ العزيز أن تشاركنا رأيك في الموضوع وأن تتابعنا ليصلك جديد المدوّنه وشكرا