بسم الله الرحمن الحريم
الفرق بين النّبيّ والرّسول وقع فيه اختلاف
شديد بين العلماء، ولم يكن منهم قول فصل مما يمكننا القطع به الفرق بينهما و قد
اختصرت أقوالهم على هذه المذاهب الآتية:
المذهب الأول: قوم لم يروا بين النّبي
والرّسول فرقا وقالوا إن النّبي هو الرّسول والعكس صحيح عندهم وفي مقدمة هذا
المذهب الإمام أبو حنيقىة، والجويني من ظاهر كلامهما ، والآمدي، والمعتزلة.
المذهب الثاني: قالوا إن النّبي هو حرّ ذكر آدمي موحى إليه بشرع ولم يأمر بالتبليغ ،
والرّسول إنسان كذلك موحى إليه بشرع
ومأمور بالتبليغ، فعليه ابن حجر ، اللقاني، السفاريني، وابن ابي العز.
المذهب الثالث: يرى أصحاب هذا المذهب
أنّ النبي هو من أتاه الوحي، ونزل عليه الملك بالوحي ، والرّسول من يأتي بشرع على
الابتداء أو ينسخ بعض أحكام شريعة قبله، وهذا نظر البغدادي والسمرقندي وابن عاشور
والجاحظ .
هذه المذاهب كلها لم تسلم من اعتراضات كبيرة من بعض العلماء جعلت آراء هذه المذاهب هباء
منثورا، فالمذهب الأول مردود رأيهم بحديث سئل فيه النبي عن عدد الأنبياء فقال "
مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا أرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا". رواه
ابن حبان فالحديث نَصَّ على أنّه أرسل من الأنبياء ثلاثمائة والزيادة، إذن فالقول
بعدم وجود الفرق بين النبي والرسول غير مقبول .
واعترض على المذهب الثّاني بأن من لم يأمر
بما أوحي إليه كمن أمر بكتمان العلم وحاشى أن يكون الله يأمر بهذا وكما أن رأيهم
هذا تعارض مع أية قرآنية حيث يقول الله (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ
بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ
وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ
شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً
قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْكَافِرُونَ} "سورة المائدة: الآية44".
فالآية تذكر أن أنبياء بني اسرائيل يحكمون
بما أنزل الله في التورة ، ولو كان النبي هو من لم يأمر بالتبليغ على حدّ رأي
المذهب الثاني لما حكم هؤلاء الأبياء بشيئ من التوراة ولن يقتلهم بني اسرائيل كما
روى القرآن لنا ذلك، لأنه لو كانوا صامتين بدون التبليغ لما تعرّضوا لقتل بني
اسرائيل، فعُلم بديهة أنّ حكمهم بالتورة وقتل بني اسرائيل إيّاهم نقدا صارما في
تبطيل رأي هذا المذهب.
والمذهب الثالث لم يتبيّن نظرأصحابه كتبيّن
المذهبين السابقين لأنّهم عرّفوا النبيّ أنّه من أوحي إليه، ولم يبيّنوا ما الهدف
من الوحي هل للتبليغ أو لعدمه فإن قالوا للتبليغ فلا فرق إذن بين النبي والرسول
وبذلك يكون أصحاب هذا الرأي في صنف المذهب الأول ، وإن قالوا لا للتبليغ نوازنهم
بميزان المذهب الثاني.
هذا هي الآراء الواردة في تفريق بين كلمة
النّبي والرّسول عند العلماء ، وهي غير كافية للتميز بين كلتا الكلمتين، كما رأينا
كيف أخذ عليها بمآخذَ قوية دامغة صادرة من النّقاد لكن هناك محاولات من بعض كبار
العلماء تهدف إلى إبراز ما هو أقرب إلى الصّواب من غيره.
وسأردف هذا الموضوع بشقه الأخر عن قريب دوموا بخير
وسأردف هذا الموضوع بشقه الأخر عن قريب دوموا بخير
عن قريب سأنشر الشقّ الأخر من هذا الموضوع فدوموا بخير الله
ReplyDelete